السياسي الفلسطيني، وتعكس عدم القدرة في تقييم الظروف الحسية لكل مكون من المكونات الفلسطينية المتعددة بتعدد الجغرافيا السياسية، المهيمنة والدالة على إفرازات التنوع السياسي المفروض على الشعب الفلسطيني، الذي تعرض للتبديد والأقتلاع والأنتهاء كشعب ، ولكنه واصل الحياة ، وإستعاد حضوره ، بفعل عوامل التحدي ، والتمسك بالبقاء، وكاد أن ينجح في وضع نفسه على الخارطة السياسية ، بعد الأنتفاضة الأولى وإتفاق أوسلو ، وولادة السلطة الوطنية ، كمقدمة لقيام الدولة المستقلة، ولكنه عاد وإنتكس من جديد، بفعل عوامل ذاتية وفي طليعتها الأنقلاب والأنقسام وتمزيق الجسم والجغرافيا والسياسة الفلسطينية وحركتها الوطنية.
الفلسطينيون في مناطق 48 ، غيرهم عن فلسطينيي الضفة والقدس والقطاع ، وغيرهم عن فلسطينيي الشتات والمنافي ، وحتى أوضاع الفلسطينيين في مناطق الأحتلال الثانية عام 1967 ، تختلف ظروفهم عن بعضهم البعض ، فأهل القدس يعيشون ظروفاً تختلف عن أهل الضفة وكلاهما في القدس والضفة يختلفون عن ظروف أهل القطاع ، وهكذا هناك تنوع سياسي يحتاج لقيادة خلاقة وتنظيمات قادرة على لملمة الحالات الفلسطينية المتعددة وجعل فعلها ومصالحها تصب في مجرى واحد ، يستهدف التصدي للمشروع الأستعماري التوسعي الأسرائيلي وهزيمته وإنتزاع حقوق الشعب العربي الفلسطيني الثلاثة : حق المساواة في مناطق 48 وحق الأستقلال في مناطق 67 وحق اللاجئين في العودة.
ما جرى في قطاع غزة ، وإحتجاج النساء المناضلات "أخوات الرجال" على الأنقسام، مطالبين بالوحدة كشعار وحياة وتطلع، وما تعرضن له من ضرب وأذى وبهدلة على أيدي أجهزة حركة حماس القمعية ، يقدم صورة تفصيلية للشق الفلسطيني المكرر عن تجارب الأربعة المهزومين : لجان ثورية معمر القذافي و حزب علي عبد الله صالح وحزب حسني مبارك وحزب زين العابدين بن علي، فقد حكم هؤلاء شعوبهم بالقمع والأدعاء بالوطنية والقومية وإستفردوا بالحكم وألغوا الأخر ونكلوا به ، وما تفعله حماس لا يقل سوءاً عن الأحزاب الأربعة التي حكمت تونس وليبيا ومصر واليمن ، إن لم يكن ما تفعله في قطاع غزة أسوأ مما فعلته تلك الأحزاب وقياداتها المهزومة ضد التعددية والديمقراطية وصناديق الأقتراع.
لا يحق لحركة حماس أن تدعي أن ماضيها الجهادي أفضل من ماضي معمر القذافي الذي طهّر ليبيا من القواعد الأميركية، وحسني مبارك قاد مع السادات معركة أكتوبر لتحرير سيناء من الأسرائيليين ، وعلي عبد الله صالح وحّد اليمن ، وزين العابدين بن علي أبو العصرية والتقدم، ومع ذلك ورغم إنجازاتهم الوطنية ضد الأستعمار والأحتلال ، وقعوا في الديكتاتورية والتسلط ، ووقفوا بصلابة ضد الأخر وضد الأحتكام لصناديق الأقتراع وضد التعددية والديمقراطية، فهل حماس تختلف عن نضالات مبارك والقذافي وبن علي وعلي صالح القديمة ، وهل تختلف عن سلوكهم المشين في قمع شعوبهم؟؟.
قد تتباهى حماس أنها جاءت بفعل عاملين النضال أولاً وصناديق الأقتراع ثانياً ، وهذا صحيح ، ولكن ألم تأت حركة فتح أيضاً بفعل النضال والمبادرات أولاً وبفعل صناديق الأقتراع ثانياً ، وما دامت كذلك فلماذا صّوت أغلبية الفلسطينيين لصالح حماس عام 2006 مع أن أغلبيتهم صوتوا لصالح فتح عام 1996 ، السبب هو الأخطاء وسوء الأدارة ، وعلينا أن نتذكر أيضاً أن حماس وصلت إلى السلطة بفعل نزاهة الأنتخابات التي أشرفت عليها فتح وأجهزتها وسلّمت بنتائجها.
حماس ضد الأنتخابات وضد صناديق الأقتراع وضد التعددية ، ولذلك فهي نسخة مكررة سيئة عن أحزاب ولجان وإدارات معمر القذافي وعلي عبد الله صالح وحسني مبارك وزين العابدين بن علي الذين حكموا تونس وليبيا ومصر واليمن ، وها هي حماس تحكم قطاع غزة بنفس الأساليب والأدوات بل والأسواء منهم جميعاً.